عطش الإنسان إلى المطلق
Monday, August 13, 2007
عطش الإنسان إلى المطلق
:
الإنسان عنده قناعة
داخلية بالله، ليس بالمنطق
العقلي، ولكن بالحس،
وهذا الحس
دفين في
أعماق الإنسان من الداخل
.
فأثر الله يبدو
في أعماق
القلب البشري، ويتجلى الله ويظهر
في عطش
الإنسان الداخلي واشتياقه لحياة أفضل،
ميله الطبيعي
أن يؤمن
بما هوَّ
أعظم
..
فالإنسان – مهما كان
– يعيش غير
راضٍ أو
قانع بحياته،
لأنه لا
يراها الحياة التي يتمنى
أن يعيشها،
أو أن
هذه هيَّ
حياته
!!
فالإنسان دائماً يميل إلى
تغيير حياته للأفضل
والأحسن،
بل وحتى
أن وصل
لما يتمناه،
يبقى غير
قانع، بل يطلب
ما هوَّ
أفضل، فهوَّ لا
يتوقف ولا يشبع
أو يقنع
!!
الإنسان يُعرف عند علماء
النفس بأنه "حيوان
قلق" وهذه
الميزة يختلف بها
عن سائر
الكائنات
الحية. فللحيوان رغبات غريزية محدودة، سهلة الإرضاء،
لذلك ليست
في حياته
مشاكل. أما الإنسان
فكلما حاول إشباع
رغباته اشتدت وقويت
فيه هذه
الرغبات،
وكأن هناك
شيئاً في أعماق
كيانه يحركه ويُعذبه،
بل ويدفعه
دون هوادة
!!
في الإنسان صراع داخلي
بين رغباته
وبين ما
يملكه، وبين إرادته
وقدرته، بين ما
يُريد أن يكون
وبما هوَّ
عليه الآن،
وبين ما
في داخله
وما في
خارجه!!
فكلما حاول أن يقترب
من ما
يرغبه أو ما يُريد، أبتعد ما
يُريد عنه موقظاً
في نفسه
الخيبة والحسرة. وهذا ما
يبدو في
الخبرة اليومية وفي كل
المجالات؛
فمثلاً
:
1-
الإنسان الذي يسعى إلى
المال أو مركز
اجتماعي أو مجدٍ
ما، لا
يكتفي بما حصل
عليه. بل كلما
بلغ مقصده،
طمع في
المزيد، لذلك لا
يعرف قلبه
راحة أو
استقرار (عين الإنسان
لا تشبع)
كما يقول
المثل السائد!!
2-
و الإنسان
الذي يسعى
إلى الجمال. فأمام منظر طبيعي بديع
أو قطعة
أدبية رائعة أو
قصة جميله،
أو لوحة
فنية أو
قطعة موسيقية
ساحرة، يشعر الإنسان،
إلى جانب
نشوته وابتهاجه بها، بشيء
من الحزن،
ويزداد هذا الحزن
بنسبة ما يكون
جمال هذا
المنظر أو الإنتاج
الفني. فكيف يُفسرّ
هذا الحزن؟!!
ذلك الجمال
الذي أدركناه
أيقظ فينا
حنيناً وشوقاً لا قدرة
لنا على
إشباعه أو إطفائه
ومن هُنا
نشأ الألم
والحزن، وكم من
الأدباء والشعراء والفنانين،
اعترفوا بالمرارة والألم اللذان شعرا بها
عندما كانوا يبدعون
تحفة فنية
أو مقطوعة
موسيقية،
أو قصة
رائعة، أو قطعة
شعرية!!
3-
خبرة الحب. فالحب، كما هوَّ معروف،
ينتظر منه الإنسان
سعادة مطلقة، دائمة، وبخاصة إذا كان
هذا الإنسان
رومانسي بطبعه. ولكن يجد هذا الإنسان
– بعد قصة
حب طويلة
وبعد أحلام
رومانسية
طويلة – أنه أُصيب
بخيبة أمل في
حبه، فالمحبوب،
مهما سمت
صفاته، بشر وليس
إلهاً، لذا لا
يمكنه أن يقدم
لمحبوبة السعادة الفردوسية
التي يحلم
بها. فتصور
الإنسان عن الحب
الحقيقي،
أنه يسعى
إلى شركة
بين الحبيبين
شركة تامة
وخالدة، ولكنه يصطدم
بالواقع،
واقع السأم
الذي تولده
العادة، وأيضاً الأنانية التي يسعى
فيها المحب
أو المحبوب
لإرضاء نفسه دون
الآخر، وتحقيق رغباته دون الآخر!!،
وبذلك ينهار معنى
الحب والزواج
في عينيه!!
عموماً باختصار
:
إن للإنسان المحدود أماني متسعة
جداً لا
محدودة، يسعى جاهداً
لكي يُحققها،
رغم جهله
بمصدرها وما يُشبعها
إشباع حقيقي، لذلك يعيش
في توترّ
وقلق دائم
!
ولكن ما هوَّ
سرّ هذا
التفاوت الصارخ الذي في
حياة الإنسان؟
من أين
أتى هذا
السعي إلى اللامتناهي
والمطلق،
رغم أن
خبرته في الحياة
تُقدم لهُ المحدود
الزمني أي المحدود
النسبي، الذي لا
يُشبعه على الإطلاق،
بل يزده
قلق وجوع؟
في الحقيقة، أن في أعماق الإنسان
المحدود،
في الداخل،
صورة أصلية
لكائن غير محدود
.
لذلك فأن سعي
الإنسان إلى المطلق
تعبيراً عن حنينه
وشوقه لأصل الصورة،
فالصورة تحن لأصلها
المطلق
!!
فخيبة الإنسان المتكررة وخطأه الدائم،
هوَّ أنهُ
يبحث عن
ما يروي
عطشه ويُسدد
احتياجاته
بين المخلوقات
والمجتمع،
وطلب ما
هوَّ على
الأرض، فهوَّ يطلب
حياة كريمة
ومعقولة ليس فيها
شرّ، طلبات
عادية، ولكن مهما
كانت فهيَّ
على الأرض،
ويتمنى عملاً يبعده
عن التفكير
بالشرّ وحياة تجعله
يهدأ لنفسه
أو حب
يُشبع قلبه، وزوجة
صالحة تهتم به
وتعطيه احتياجه، ولكن هيهات
أن شبع
قلبه أو
حس براحة
!!!!!!!!
مصيبة الإنسان أنه يبحث
عن الذي
يروي عطش
قلبه غير
الله، أو قبل
الله، أو الله
يُشبع قلبه في
حياة مريحة
وهادئة بلا صراع
على الأرض،
ولكن هيهات
من أن
يستريح الإنسان في الأرض
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
فكما أن المدّ
يفترض وجود القمرّ
الذي يجذب
إليه ماء
البحر، ولو كان
مختفياً وراء السحب،
كذلك مدّ
النفوس وسعيها المتواصل إلى ما
يُشبهها،
ولا يُشبعها
غير المطلق،
أي الله
الذي هوَّ
وحده الذي
يجذب النفس
حتى ولو
اختفى عن نظرنا
وإدراكنا(( يارب خلقتنا لذاتك (متجهين
إليك) وكذلك
لن تجد
قلوبنا راحة إلا
إذا استقرت
فيك)) (القديس
أغسطينوس)
وللحديث بقية
النعمة والبركة والسلام معكم جميعاً
__._,_.___
Recent Activity